السبت، 8 يونيو 2013

اشارة المرور

كم يكره هذه الإشارة، سيضيع ما يزيد عن خمسة عشر دقيقة من وقته الثمين قبل أن يتمكن من تجاوزها، جالساً في سيارته الفارهة عدل من درجة التبريد ثم أخذ يقلب في محطات الراديو حتى وصل إلى محطة الموسيقى الكلاسيكية.
كلتا يداه مرتكزتان على عجلة القيادة، عيناه مثبتتان على عداد الثواني الرقمي أسفل الإشارة الحمراء.


50
لقد أكمل الخمسين الشهر الماضي.
هل مضت حقاً خمسون سنة، فيما مضت؟ هل مضت كما يحب ؟ ماذا يحب؟ هل مضت كما يجب؟ أعتقد.
إذا أراد وصف نصف القرن في كلمة واحدة فماذا يختار؟ لا يدري ولكنه واثق أني لن يختار " سعيد "، هل شعر بالسعادة في حياته؟ ما هي السعادة؟ ربما أحسها ولكنه لم يدركها. وربما .. ربما لم أحسها قط.


42
إلتفت إلى الظرف الملقى على الكرسي المجاور، اثنان وأربعين مقابل ثلاثة ساعات وبضع مهارات جراحية.
حاول أن يتذكر شعوره عندما تسلم الظرف هذا الصباح، لا شئ! أحقاً لم يشعر بشئ؟ حاول استعادة الموقف كاملاً عله يلمح شرارة في وسط أعماقه المظلمة .. لا شئ حقاً؟! ألتفت حوله ينظر في وجوه من حوله، كم منهم سيشعر بلاشئ إذا هو تسلم ظرف يحوي اثنين وأربعين ألف جنيه.


33
هل كانت جميلة؟ "ربما مثيرة هي الكلمة المناسبة" يتمتم.
لماذا وافق؟ ثلاثة وثلاثين هي السن المناسبة، "لا مجال للتأجيل" قالت الأم، "نفسي أشوف عيالك قبل ما أموت" قال الأب، "ما رأيك في .... بنت طنط .... ؟ بباها بيشتغل .... وأخوها ما شاء الله في وزارة ....، والبنت زي القمر، بكرة نروح نزوهم وتشوفها" قالت الأم، لماذا لم أعترض؟ لماذا لم أدافع عن الهراء الذي ملأتني به الكتب عن الحب والتفاهم وغيرها من الخراء الذي نقرأه، نؤمن به، لكن لا نستعمله؟
كانت مثيرة، مثيرة فقط.
لماذا تخلى عن فتاة الأحلام التي قضى فترة دراسته الجامعية يرسم في تفاصيلها الدقيقة؟ هل هي رغبة أمي؟ هل مرض أبي؟ أم رغبة ... ؟
"كم كانت مثيرة! لكن مملة!" يتمتم.


27
"هتتخصص أيه ؟"، هل حقاً كانت فرصته الأخيرة؟ أكان اختباراً؟
هل الحياة بسيطة لدرجة أن تختبرك بذات الإمتحان مرتين؟ وهل نحن سذج إلى هذه الدرجة لكي لا نلاحظ التكرار إلا بعد فوت الأوان؟
هل تخليت عن اختياري الأول لأني اقتنعت بوجهة النظر المضادة؟ أم أثرت في الإبتسامات الساخرة والتعليقات المستخِفة؟
لا يهم .. المهم أني فشلت في الإختبار.
"الطب النفسي بيأكلش عيش"، على الأقل هو يأكل "عيش"
حاول تذكر طعم رغيف العيش، طعم اللحم .. "بلا طعم؟! بجد؟!"
  

14
صوت تصفيق يعلن عن نهاية المقطوعة، صمت يفصل بين المقطوعتين، بداية مقطوعة جديدة.
لا إرادياً تحركت أصابعه على عجلة القيادة، تنقر، كأنما تعزف المقطوعة الموسيقية المنبعثة من الراديو، يعرف هذه المقطوعة، ابتسم لأن أصابعه مازالت تحتفظ بذكرى مضى عليها أكثر من ثلاثين عاماً. لقد كان موهوباً، فكر في معهد موسيقى؟ ولكن أين سيذهب المجموع العظيم؟ "إلى الجحيم" تمتم، حسناً لماذا لم يعطي لموهبته اهتمام أكبر؟ لماذا لم يتدرب ساعه يومياً حتى ينمي تلك الموهبة؟ ضيق الوقت .. حقاً؟ مشاغل .. حقاً؟
"كم كنت ساذجاً"


00
أنطلق بالسيارة باتجاه عيادته، أغلق الراديو قبل أن حرك رأسه كأنما لينفض عنه وسوسة الشيطان.

الثلاثاء، 9 أبريل 2013

مجرد تفاصيل

" مستوحاة من قصة واقعية "

المشهد الأول :- 

المكان : أحد المدرجات الجامعية 

الزمان : في منتصف محاضرة الباطنة 


فوق المنصة يجلس الدكتور حسن على كرسية المريح ممسكا بالمايك، يضغط زر ال Space فتتغير شريحة ال Power Point، وما أن تستقر حتى يبدأ في قراءة الكلام المكتوب، بعد أن ينتهي من قراءة الشريحة يرفع عينيه عن ال Laptop إلى الطلبة الجالسين على المقاعد الخشبية و يسأل " فاهمين يا ولاد ؟ " ودون أن ينتظر الأجابة يضغط ال Space ويبدأ في قراءة الشريحة التالية.

ترررررن تررررررن ... يسكت الدكتور في منتصف الفقرة، يخرج هاتفه المحمول من جيب البلطو الأبيض المكوي بعنايه، يبعد الهاتف على امتداد ذراعه محاولا قراءة أسم المتصل، ابتسامة خفيفة، يرد على الهاتف دون أن يكلف نفسه عناء الاعتذر أو اغلاق المايك. 

دكتور حسن : وعليكم السلام .. أزيك يا دكتور علوان ؟ ... الحمد لله، الحمد لله، ها ايه الأخبار ؟ .. مستشفى الطلبة!! معرفتش توديه مكان أحسن من كدا؟ أنا كنت عايزه معايا في القسم ... خلاص مش مشلكة المهم انه جنبنا هنا في الجامعة، بعد كدا نحاول ننقله عندنا في القسم ... شكرا شكرا يا علوان ... ربنا يخليك يا رب، سلام.

يبعد الهاتف مره أخرى ويبدأ في العبث في الهاتف قبل أن يعيده إلى أذنه، ويقوم من على مقعده منسحباً في كواليس المسرح.

دكتور حسن : أيوه يا أحمد ... أزيك؟؟ ... الحمد لله الحمد لله ... مبروك يا سيدي هتتعين في الجامعه ... لا مش في القسم معرفتش أجيب عندي تقديرك كان وحش ومعرفوش يتصرفوا ... في مستشفى الطلبة ... اصبر بس انت شوية ولما الأمور تهدى هاحاول انقلك حتى أحسن، أنا ياما قلتلك ذاكر وشد حيلك لأن لو تقديرك ضعيف هيحصل مشاكل عشان اعينك ... يلا مبرووك وسلام دلوقتي عشان عندي محاضرة.

المشهد الثاني :- 

المكان : إدارة المرور - مكتب الظابط المسؤول 


يدخل شاب عشريني إلى مكتب الظابط، يخلع نظارته الشمسية مع أول خطوة في مكتب الظابط. 
الظابط يتحدث في هاتفه المحمول، يقف مرحبا بالداخل دون أن ينهي المكالمة، يشير إلى الشاب بالجلوس، يتفحصه سريعاً قبل أن يجلس على كرسيه مكملا الحديث في هاتفه.

الظابط : أيوه يا فندم ... لسه داخل حالا ... ايوه قاعد قدامي أهه ... لا متحملش هم خالص ... عينيا ... عينيا ... احنا تحت أمر الدكتورة ... ربنا يخليك يا فندم ... السلام عليكم.

يلتفت إلى الشاب الجالس أمامه

الظابط : تشرب إيه بقى ؟؟ 
الشاب : شكرا شكرا والله ملوش لزوم ... أنا بس عايز أخلص عشان ورايا مشاوير 
الظابط ( مبتسماً ) : لا متحملش هم، خلال نص ساعة تكون رخصة الدكتورة مع حضرتك، هاتلي بس الرخصة القديمة والأوراق اللي معاك 
يناوله الشاب دوسيه مغلق 
ينادي الظابط على عسكري 
يدخل العسكري، يحيي الظابط، يقف انتباه في انتظار الأوامر 
الظابط : الدوسيه دا يروح للأستاذ محمد
يتناول العسكري الدوسيه ويحيي الظابط ويغادر 
يلتفت إلى الشاب مره أخرى 
الظابط : هي الدكتورة ليه متريحش نفسها من السواقه وتعبها وتجيبلها سواق؟ 
الشاب ضاحكا : والله ما أعرف ايه حبها في السواقه .. دا حتى السواقه في البلد بقت صعبه.
الظابط : وخاصه في سنها، المفروض انها تريح نفسها من تعب الأعصاب دا .. تشرب إيه بقى؟ 

المشهد الثالث :- 

المكان : داخل " الحرم " الجامعي

تركب العجوز سيارتها.
تدير السيارة . 
تنظر إلى ذراع النقل .. وتحركه لتصل إلى حرف ال R.
تضغط على دواسة البنزين دون أن تنظر إلى الخلف بحكم ألام الرقبة، وبدون أن تتبين ما في المرآة بحكم ضعف البصر .. تتحرك السيارة إلى الخلف. 
صوت اصطدام .. صوت صراخ 
بين مطرقة التوتر وسندان السن
تضغط بقوة على البنزين بدلا من الفرامل. 
تُنقل الضحية إلى مستشفى الطلبة الجامعي.

المشهد الأخير:- 

المكان : مستشفى الطلبه الجامعي. 


وقف الدكتور أحمد حسن أمام المريضة المهشمة في ذهول، لم يكن يعرف ما هي الإجراءات المتبعة في مثل هذه الحالات، لم يكن يعرف شيئاً .... 
وبكل بساطة انتقلت جهاد إلى رحاب الله 

ستــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار


ادعوا  لجهاد بالرحمة